شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الاثنين 06 اكتوبر 2025م10:18 بتوقيت القدس

الخليل.. طبق الكنافة في البلدة القديمة يغني "موطني"!

17 اعسطس 2023 - 11:30

الخليل:

لا تستطيع أن تمر من أمام دكّانه مسرعًا مهما كنت على عجالة! رائحة البقلاوة والكنافة النابلسية في محل العم رامي الزعتري كفيلةٌ بأن توقفك لتدعوك إلى تناول طبقٍ ولو على عين المستوطنين القاطنين في الطوابق العليا، أو تحت ضرب حجارتهم!

داخل البلدة القديمة في مدينة الخليل، يصارع العم رامي كل ما يحدث حوله من اعتداءاتٍ إسرائيلية ليبقى. إنه من أبناء الجيل الخامس لهذا الإرث الذي يزيد عمره على مئة سنة! إنه هنا يعترف: "هذا صراع وجود.. ونحن من سيبقى".

في الشارع نفسه، تجد العشرات من أرباب المهن المختلفة مثله، يصارعون واقع العيش المرير من أجل رسالةٍ يقولون إنهم "مؤتمنون على تأديتها"، ينتظرون مارًا بالصدفة، أو سائحًا بجنسيةٍ أجنبية لا يستطيع المستوطنون إيذاءه؛ فيعرضون عليه بضاعتهم "بسعر الجملة أو التكلفة"! "فالغرض من البقاء هنا لم يعد تجاريًا.. الهدف وطني، وله علاقة بإثبات الجذور والهوية".

يقول: "بالكاد نستقبل هنا زبائن. الجميع يخشى المرور من هذا الشارع بسبب الخطر"، ثم يشير بيده إلى الأعلى، ويخبرنا عن تلك الرفوف والمظلات (من الإسبست) التي تغطي باب كل محلٍ على حدة، "فهي متهتكة بسبب ما يلقيه المستوطنون الساكنون في الأعلى على رؤوسنا يوميًا من حجارة وقمامة وأدوات مؤذية. شرطة الاحتلال تمنعنا حتى من تنظيفها على حسابنا، وتطلق العنان للمستوطنين كي يفعلوا ما يشاؤون".

ليس ذلك الأسلوب وحسب يعتمده المستوطنون من أجل تهجير سكان السوق القديم، "فلطالما قدّموا إلينا واحدًا واحدًا شيكات مفتوحة الرقم، كي نبيع"، مؤكدًا أن الرفض القاطع هو سيد الموقف دومًا، وهذا ما يجعل المستوطنين يستشرسون في الاعتداءات على المارة، "فهم يظنون أن انقطاع أرزاقنا يعني أننا سنغلق أو نرحل" يعقب.

على طاولةٍ صغيرةٍ تمتد على طول حائط المحل من الخارج، يصف العم رامي الحلويات الشرقية التي يصنعها على نهج والده وجده، وجد جده. رائحةٌ لا تقاوم تنبعث من صواني الكنافة، والبقلاوة، والمبرومة والبلورية، والغريبة والمعمول. 

يظن الناجون من اعتداءات المستوطنين وصولًا إلى باب محل الزعتري، أنهم حققوا انتصارًا. وأي انتصار! إنهم يتناولون طبقًا يغنّي "موطني" من يدَي العم الصامد شخصيًا، مغطى بالقطر والفستق الحلبي والكثير من الدعوات بزوال الغمة.

غصة التجار حول محل الزعتري كبيرة. أحدهم يبيع الأثواب التراثية فيعرضعها على الحائط المجاور بينما هو يحتمي من الشمس في الداخل. لم تخطٌ قدمٌ شارع السوق لأكثر من ثلاث ساعات. التجار لا يجدون من يتحدثون معه إلا بعضهم، وبعضهم أقفل محله، ليس انسحابًا -يقول العم رامي- بل لأنه يبحث عن رزقه، "فيعمل في مصنعٍ أو ورشةٍ أو معمل".

الحواجز عند الحرم الإبراهيمي وحدها، تكفي لتمنع الزوار من التفكير بزيارة السوق. نفسها عند مداخل البلدة القديمة، أو شارع الشهداء الذي يربط المنطقة ببعضها، والمُغلق منذ 21 سنة! ما أن يلوح ظل أحدهم من بعيدٍ حتى تنتعش روح الباعة هنا. يناجون الله برزقٍ يقربه إليهم، وصمودًا لا ينفك عنهم ولا ينفكون عنه "فنحن أصحاب الأرض والرسالة، ونحن الباقون" يختم رامي الزعتري ضامًا قبضة يده.

كاريكاتـــــير